جازة أو جنازة؟

جازة أو جنازة؟

عقدت منظمة "كفى عنف واستغلال" في 10/7/2017 مؤتمرًا صحافيًا في بيت المحامي في بيروت لإطلاق حملة إعلاميّة جديدة بعنوان "جازة أو جنازة" كجزء من حملتها المستمرّة لمكافحة تزويج القاصرات، ولإعادة تسليط الضوء على قانونيّة هذا التزويج في لبنان والآثار السلبية المترتبة عنه. وقد ذكّرت منظمة كفى المجلس النيابي بضرورة إقرار قانون مدني يحدّ السن الأدنى للزواج بسنّ الـ18 وأيضًا بعدم تكريس تزويج القاصرات في قانون العقوبات إذ سيحصل ذلك في حال أُقرّتالتعديلات المقّدَمة من قبل لجنة الإدارة والعدل النيابيّة على الموادّ 503 إلى 522. 
خلال المؤتمر، تحدّث كلّ من: السيّدة زويا روحانا مديرة منظمة كفى عنف واستغلال، الباحثة كارولين صليبي نائبة رئيسة التجمّع النسائي الديمقراطي، الأستاذة لينا أبو ​​حبيبالمديرة التنفيذية لمجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي ومنسّقة حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي"، المحامية إقبال دوغان رئيسة المجلس النسائي اللبناني. وقد أكّدت المشاركات جميعهنّ على ضرورة تحقيق المطلب ذاته في أقرب وقت ممكن، وهو إقرار قانون مدني يحدّ السنّ الأدنى للزواج بـ18 عامًا للنساء والرجال وتحرير التشريع من وصاية الطوائف التي تقف عائقًا أمام تحقيق كل المطالب النسويّة في لبنان. وفي ما يلي، كلمة منظمة كفى:

يستمرّ استخفاف الدولة بقضايا النساء، وكان آخرها استبعاد، مرّةً أخرى، النساء المتزوّجات عن التعيينات في وزارة الخارجية، بعد أن تمّ استبعاد النساء عن المشاركة السياسية عبر إسقاط الكوتا النسائية من القانون الانتخابي.
فالموروث الذكوري لا يزال يتحكّم في النظرة إلى دور المرأة وموقعها الاجتماعي، رافضًا الاعتراف بحقوقها، بل ويقف عائقًا أمام تمتّعها بهذه الحقوق، ما ينعكس في ضعف اهتمام المسؤولين بتطوير القوانين اللبنانية التي هي بمعظمها قوانين قديمة وبالية - وبعضها لا يزال ساريًا منذ عهد الإنتداب.
الأمثلة على ذلك كثيرة ولا يتّسع الوقت لتعدادها الآن، إلّا أنه لا بدّ من التطرّق في سياق لقائنا اليوم إلى التعديل الذي أجرته لجنة الإدارة والعدل على المواد المتعلّقة "بالاعتداء على العرض" – أي المواد 503 – 522 من قانون العقوبات، بحيث أبقت اللجنة على المادة 503 كما هي - أي السماح للزوج باغتصاب زوجته- وألغت المادة 522 بحيث أخرجتها من الباب ولكنّها أعادتها من نافذة المادّتين 505 و 518. فبحجّة "السترة والعادات العشائرية"، لا تزال المادة 505 تعفي من العقاب من جامع قاصرًا ما بين سنّ الخامسة عشرة والثامنة عشرة إذا تزوّج من الضحية. كذلك، يُعفى من العقاب من أغوى فتاة بغضّ النظر عن عمرها بوعد الزواج منها وفضَّ بكارتها، إذا تزوّج منها. وهذه هي مفاعيل المادة 522 التي يصرّ مجلس النواب على الإبقاء عليها تحت مفهوم السترة، وهو بذلك عن قصد أو غير قصد يكرّس تزويج الطفلات. فالمادة 522 لا ينسحب مفعولها فقط على جريمة الاغتصاب كما يوحي به التعديل المقترح في مجلس النواب، بل تحت غطاء هذه المادّة، يُسمح بتزويج الطفلات اللواتي تُرتكب بحقّهنّ الجرائم المنصوص عليها في المادّتين 505 و 518 وهذا أمر لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام. فحماية الطفلات من التزويج المبكر لا تكون بتنظيم هذا الزواج ولا بالإبقاء على مفعول المادة 522 على الجرائم الجنسيّة المرتكبة بحقّ الفتيات.
لقد سبق أن رفضنا وسنستمرّ في رفضنا لتزويج الطفلات تحت أي ذريعة، وبغضّ النظر عن أي خلفية ثقافية، اجتماعية، أو دينية. فالدولة هي المسؤولة أمامنا عن أحوالنا الشخصيّة وعن حمايتنا من العنف ووقف الإنتهاكات التي تُرتكب بحق الطفلات من خلال تزويجهنّ المُشرَّع في قوانين الأحوال الشخصية تحت ذريعة المادة 9 من الدستور التي يُلوَّح لنا بها دائمًا عند ذكر أيّ أمر يتعلّق بالنساء والأحوال الشخصية.
فلا بدّ لنا أن نسأل القيّمين على السلطة التشريعيّة في لبنان، وهم على ما يبدو قد تناسوا دورهم التشريعي هذا في الفترة الأخيرة، هل أنّ موافقة وليّ أمر الفتاة على تزويجها يُعفيكم من مسؤوليّتكم تجاه المصير القاتم لأولئك الفتيات؟ فالقتل ليس بالضرورة أن يكون قتلاً جسديًا، إنه أيضًا قتل للذات الإنسانية - قتل معنوي لا يزال للأسف مغيّبًا عن اهتمام من يحيط بالفتيات ومن يشرّع لتزويجهنّ أكانو رجال دين أو مشرّعين في مجلسنا النيابي.
ويُخطئ من يعتقد بأن الأضرار الناجمة عن التزويج المبكر تقتصر حدودها على الفتاة بحد ذاتها أو على أسرتها الضيّقة، إنها أضرار تنعكس أيضًا على النواحي الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات. ولقد أشار تقريرٌ صادر في 27 حزيران 2017 عن البنك الدولي والمركز الدولي لبحوث المرأة "بأن البلدان النامية ستخسر تريليونات الدولارات بحلول عام 2030 بسبب زواج الأطفال. وفي المقابل، فإنّ منع تزويج القاصرات ستكون له آثار إيجابيّة كبيرة على التحصيل العلمي للبنات وأطفالهنّ في المستقبل، ويسهم في إنجاب المرأة عددًا أقل من الأطفال، وفي حياتها لاحقًا يزيد دخلها المتوقّع ومستوى رفاه أسرتها".
إن مسؤوليةَ الدولة وضعُ القوانين التي ترسم مستقبل نسائها وأجيالها القادمة. ومن هنا نتوجّه إلى المجلس النيابي من خلال حملتنا "جازة أو جنازة" لنقول:
إحموا الطفلات من التزويج المبكر عبر إلغاء مفاعيل المادّة 522 بالكامل وبدون استثناء المادتين 505 و518 
إرفعوا أيدي الطوائف عن أحوالنا الشخصية وأقرّوا السنّ الأدنى للزواج بـ 18 سنة