قصة جواهر: من خطّابة الى خرّابة

قصة جواهر: من خطّابة الى خرّابة

كفى

"أنا جواهر العساف، من إدلب، صرلي ست سنين بلبنان. أنا خطّابة لفوق الـ 18، وخرّابة إذا العمر تحت الـ 18".

هكذا تعرّف جواهر، المرأة الأربعينية، عن نفسها، وهي جالسة في خيمتها في البقاع، تتعافى بعد جلسة علاج خضعت لها في الليلة الفائتة. رغم مرضها وتعبها وصعوبة حياتها، نبض صوتها وطاقتها الإيجابية يملآن المكان.

"لمّا بسمع عن أهل بدّن يزوجوا بنتن وهيي طفلة، بروح لعندن، بقعد معن مرة ومرتين وتلاتة لحتى يقتنعوا معي ما يزوجوها. أنا معروفة بالمخيم، بيسمعوا منّي لأني منّن، من نفس طبقتهم وبيئتهم. لو جايي حدا من برّا، ما رح يتقبّلوا الحكي منو. وأنا لما طبّقت يللي عم قوله على بنتي، صاروا يقبضوني جدّ أكتر".

خُطبت إبنة جواهر لابن عمّها حسب التقاليد العشائرية وهي في الـثالثة عشر من عمرها، وكان من المفترض أنها ستتزوجّه عندما تصير 14.

لكن خلال فترة الخطوبة هذه، شاءت الظروف أن تعرّفت جواهر على عمل "كفى" من خلال النشاطات التي تقيمها المنظمة في المخيمات. وفي هذه النشاطات، اكتشفت أموراً ومعلومات لم تكن تعرفها، وتحديداً فيما يتعلق بمخاطر الزواج المبكر.

هذا دفعها الى إلغاء زواج ابنتها، "مكسّرة بذلك القوانين". "لما يصير عمر بنتي 18 وإذا هيي اختارت بعطيها". 

إستطاع العاملون على مشروع "حماية الطفل" واللجان أن يوقفوا بتدخلهم مع الأسر في السنتين الأخيريتين 26 زواجاً مبكراً.

في إدلب كانت جواهر متطوعة في التمريض وكانت "تدبّر" زواجات، ومنها زواجات مبكرة. "هيدا الموضوع عادي عنّا. كنت أطّلع ببنتي فكّر عمرها 20 لأنها طويلة صارت يعني بالنسبة إلي صبيّة، بالوقت يللي هيي بعدها طفلة. هلأ صرت أعرف. عمّها لبنتي بعدو مقاطعني لهلأ".

عدا عن أن الزواج المبكر هو أمر "طبيعي" ضمن العادات والتقاليد، إلا أن ظروف اللجوء زادت من "إقبال" الأهل على تزويج بناتهم: "بقول البيّ أنا حالتي المادية ما بتسوا. بزوجها لتعيش أحسن لأنو أنا ما عم بحسن أصرف عليها، وبدّي أستر عليها. عم بزوجوهن مقابل مبلغ مالي، بتسافر البنت على بلد تاني، وما حدا بيعرف شو عم بصير هناك".

أخبرت جواهر قصة رجل عمره 40، تزوج بنتاً عمرها 13 وسافر بها. علموا أهلها أنه "يشغّلها في الدعارة" فتبرّؤا منها. "هيي طفلة ما فهمانة شي، عم يطلب منها زوجها تعمل هيك، يمكن مفكرة أنو شي طبيعي، وهيي لحالها معه. أهلها يللي باعوها قبل، تبرّوا منها هلأ!".

بدأ عمل "كفى" في البقاع مع اللاجئين السوريين في العام 2014. أخبرت ماريا سمعان، منسّقة مشروع "حماية الأطفال" أن المنظمة فتحت بداية "مركزاً صديقاً للمراهقين والمراهقات" في منطقة المرج البقاعية وكانت تقوم بنشاطات نفسية وإجتماعية. قررّت بعدها توسيع نطاق العمل والنزول الى المجمعات السكنية والمخيمات لإقامة النشاطات هناك. وبخلاف باقي الجمعيات والمنظمات، لم يكن لكفى خيمة في المخيمات التي تعمل بها، بل كانت النشاطات تُجرى مع الناس في بيوتهم وخيمهم. أصبحت المنظمة تقوم من بعدها بما يسمّى "تدريب أقران": "تحمّس العديد من سكان المخيم وأرادوا أن يتدرّبوا ليعطوا هم الدورات من بعدنا ويتدخّلوا في حال حصول مشاكل. توسّعت الدورات لتشمل النساء والرجال، وكان الهدف الأساسي منها تأمين إستدامة العمل والنشاط. أصبح هناك لجان داخل المخيمات وتدرّب أعضاؤها على كيفية الإستماع الأولي وعلى إعطاء إسعافات نفسية أولية لشخص تعرّض للعنف، وأصبحت كل لجنة تعمل بمخيمها بمعزل عن وجود كفى".

وصل عدد اللجان الى عشرين وهي موزّعة على ستين مخيماً غير رسمي في البقاع، وتضم رجالا ونساء ومراهقين ومراهقات تدرّبوا على طرق حماية الأطفال وعلى حقوق النساء وأصبحوا "دعاة تغيير". 

استطاع العاملون على مشروع "حماية الطفل" واللجان أن يوقفوا بتدخلهم مع الأسر في السنتين الأخيريتين 26 زواجاً مبكراً.

أخبر عضو في لجنة من هذه اللجان بأنه يلحظ تغييراً، وإن كان بطيئاً، بسلوكيات وعقليات بعض سكان المخيم. وتابع بأن في كل مخيم أشخاصاً مؤثرين يسعون الى إحداث تغيير ما. "جواهر مثلاً هي مركز السلطة والتأثير في مخيمها وفي مخيمات أخرى محيطة. من يعرف من سكان المخيم بمشروع تزويج مبكر أو عنف أسري أو رمي أطفال، يُخبر هؤلاء الأشخاص".

أخبر شاب آخر قصّة شابين كانا يمشيان في المخيم وسمعا صوت ضرب زوج لزوجته داخل خيمة، فتدخلّا محاولين إيقافه، "أكلا قتلة معها". هذا التدخل مثلاً، نادراً ما كان يحصل قبل، باعتبار أن ما يجري داخل الخيم شخصي وخاص.   

أكمل كلامه مخبراً كيف تبدّلت أحوال بعض النساء، إذ صرن يخرجن من المخيم للمشاركة بأنشطة. إذ بعدما كان أزواجهنّ يرفضون خروجهنّ، أصبحوا يوصلونهنّ بأنفسهم. ومن النساء من صرن يعملن ويشاركن في مصروف المنزل.

"أقنعت أخي يقبل أنو مرته تشتغل. صارت تبيع خضرة بقلب الخيمة وتشارك بالمصروف"، قالت جواهر.

بالقرب من جواهر، يتمدّد محمد، إبن التسعة أشهر. الكل يدلله ويحمله ويقبلّه. محمد هذا تركه أهله وهو في يومه الحادي عشر، وأتت سيّدة تسأل جواهر ما إذا كان يمكنها وضعه في "قسم الحماية" غير الموجود أصلاً، وإلّا، فهناك حكيم عرض مبلغ ألف دولار لأخذه.  بعد عملية استقصاء قام بها الشباب حول القصة وأخبروا الدرك بحقيقتها، قرّرت جواهر الإبقاء على الطفل عندها وتربيته.

"لا كفى ولا نحن عم منقدّم سلّل عذائية، بس عم نحاول، على طريقتنا، ننقذ حياة ناس" تختم جواهر.

 

* إن مشروع حماية الأطفال في منظمة كفى هو بالشراكة مع يونسف وبالدعم من الاتحاد الاوروبي ووزارة التنمية الدولية البريطانية