عملي مع النساء في الدعارة

عملي مع النساء في الدعارة

علامات استفهام واضحة تظهر على الوجوه عند ذكر مهنتي كعاملة ‏اجتماعية مع النساء في الدعارة، تليها علامات تعجّب عند ذكر زياراتي الى مخفر حبيش في بيروت ولقاءاتي المستمرة بالنساء والاستماع إلى روايتهن المختلفة.

علامات الاستفهام والتعجّب والاستغراب تتكلل بأسئلة منها ما يطرح بصراحة ومنها ما يبقى يطوف بذهن صاحبها.

اكتب اليوم للإجابة على بعض هذه الأسئلة.

بدأت رحلة استكشاف هذا الموضوع عندما كنت مراهقة. كنت أرى نساء يقفن على جانب الطريق، انظر اليهن واتساءل عن سبب وقوفهنّ وماذا ينتظرن، الى حين ادركت انهن في الدعارة.

‏تسارعت وقتها الأفكار في ذهني وانهالت التساؤلات. ما الذي يجعل المرأة تصل الى هذه الحال؟

كيف يمكنها تحمل لمسات عدد كبير من الرجال ونظراتهم البشعة لها ؟

ولكن هل تعلمون ما هو البشع؟ واقع هؤلاء النساء الذي اكتشفت قساوته عند تعمقي بهذا الموضوع.  قررت التعرف على حياة كل امرأة منهن، الاستماع الى قصتها ولمس معاناتها.

وبدا لي الواقع أقسى مما تخليّت. فهؤلاء النساء هنّ الأكثر تهميشاً والأكثر تحطماً في مجتمع يعتبر أن المرأة سلعة وأن الرجل غير قادر على ضبط رغباته الجنسية.

طلبات مشتري الجنس تتخطّى فعل ممارسة الجنس مع المرأة. فالمرأة في الدعارة ليست فقط اداة للجنس، بل هي أيضاً اداة لإثبات "الرجولة" وللتنفيس عن الغضب، يستخدمها مشتري الجنس للتعبير عن غرائزه. وبحسب شهادات النساء في الدعارة نرى كيف أن الموضوع يتخطى الجنس ليتحول الى جلسات ضرب وتعذيب وإهانة، يُشبع من خلالها الرجل، مشتري الجنس رغبته بإثبات ذاته في مجتمع ذكوري.

في بعض الأوقات تساءلت كالكثيرين عن سبب بقاء المرأة في الدعارة رغم كل ما تتعرض له من ذل وعنف واستغلال. 

لكن الموضوع معقّد أكثر مما يبدو.

لنحاول الخروج من الصور النمطية ولنطرح على أنفسنا أسئلة مختلفة:

لماذا مشترو الجنس أغلبهم رجال؟ وكأن المرأة ليس لديها رغبة جنسية.

لماذا أكثرية النساء في الدعارة كنّ ضحايا زواج مبكر أو أي عنف جنسي أخر وهويتهنّ الجنسية مكسورة مسبقاً؟

وهناك من يقول: "بس هي بدا!"

لا أظن أن هناك امرأة تحب الجلوس في غرفة تنتظر دخول رجل لا تعرف عنه شيئاً سوى أنه قادم إليها بطلبات عليها تنفيذها.

في كل مرة اسمع فيها قصة امرأة في الدعارة، اعتقد انها الأقسى لأعود واتفاجأ بقصة أخرى تقشعر لها الأبدان.

في احدى المرات سألت سيّدة ما الذي أوصلك الى الدعارة، اجابتني بجملة ستبقى معي دائماً : "شو أخدك عالمرّ، يلّي أمرّ منو".

وحتى عندما تتاح الفرصة أمام بعض النساء ويتمكنّ من الخروج من دائرة الاستغلال والعنف هذه، تبقى صورتهنّ عن أنفسهنّ وأمام المجتمع مكسورة!

بين الخوف من لقاء مشتري الجنس أو إبراز السجل العدلي أو عدم توفر فرص عمل وغياب التأهيل والمساندة وأسباب كثيرة غيرها، تجد السيّدة نفسها عائدة الى الدعارة.

سأذكر أخيراً وبحسب دراسات نُشرت عن هذا الموضوع، أن نسبة الاضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) عند النساء في الدعارة أعلى من نسبتها عند الجنود الذين يشاركون في حروب.

هؤلاء النساء لسن فقط مسلوبات من حقهنّ في الحماية، بل يعتبرهنّ القانون اللبناني مجرمات.

المرأة في الدعارة ضحية. هي ضحية الذكورية والمجتمع والقانون، وضحية ظروفها أيضاً. والضحية تُحتضن، وهي بحاجة الى دعم.

لا يمكننا ذكر الدعارة دون ذكر العنف والاستغلال.

لهذا قرّرت العمل مع النساء بالدعارة ودراسة تأثيرها عليهنّ.