غياب الدولة في المجال الخاص قد يتسبّب بانتهاك مؤسساتها في القطاع العام

غياب الدولة في المجال الخاص قد يتسبّب بانتهاك مؤسساتها في القطاع العام

لسنا بمعرض التبرير لما فعله النائب الموسوي للدفاع عن ابنته. ولكن، وفي معرض مناقشة هذه الحادثة، لا يمكننا أن نغض النظر عن كون اقتحام النائب الموسوي لمركز أمني تابع للمجال العام ما كان إلا تتويجا لسلسلة من المظالم تعرّضت لها ابنته غدير في المجال الخاص خلال الفترة السابقة، بسبب قانون الأحوال الشخصية المعمول به لدى الطائفة الشيعية، إن من حيث التنازلات التي قدّمتها للحصول على الطلاق (ذكر أن والدها اضطر إلى دفع مبلغ معيّن لكي يقبل زوج ابنته بتطليق زوجته) أو من خلال حرمانها من حضانة أولادها وتعذرعليها مشاهدة الأولاد لفترات طويلة.*..إلخ

أين كانت  أجهزة "الدولة" طوال تلك الفترة، وأين هي من المظالم الجمّة التي تتعرض لها بقية النساء في المحاكم التابعة للطوائف المختلفة؟ إن الدولة اللبنانية غيّبت نفسها عن كل تلك المعاناة فأدارت أذنها الصمّاء إلى صرخات النساء المستجدية رفع الظلم عنها. لقد فوّضت الدولة اللبنانية صلاحيتها في مجال التشريع في القضايا المتعلقة بالعلاقات الأسرية إلى مختلف الطوائف، وذلك دون أن تلزم تلك الطوائف بمعايير محددة إن لجهة احترام حقوق النساء وكراماتهن (بما ينسجم مع مبادئ الدستور اللبناني)، أو لجهة فرض حد أدنى من المعايير العلمية والقانونية والثقافية التي يفترض أن يتمتّع بها "قضاة" محاكم الطوائف المختلفة المؤتمنين على حيوات النساء، فاسحين المجال أمامهم لممارسة معتقداتهم وأيضا عقدهم الذكورية عليهن.

ولقد استفادت الطوائف من غياب دور الدولة في هذا المجال فكرّست سلطاتها على رعاياها وأضفت على قوانينها طابع القدسية بحيث أصبح ينعت كل من يرفع صوته بوجه هذه القوانين الظالمة بالمرتدّ أو الكافر أو غيرها من النعوت.

إن معاناة غدير الموسوي ما هي إلا نموذج عن المعاناة التي نعايشها يومياً مع الحالات التي تلجئ إلى مركز الدعم في منظمة كفى طلبا للمساعدة، وهي بأساسها ناتجة عن غياب الدولة عن رعاية العلاقات الأسرية لمواطنيها لتضمن حقوق النساء والأطفال وفقا للمعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال.

إن الدولة اللبنانية مطالبة باستعاة دورها في سن قانون مدني للأحوال الشخصية يوحّد بين اللبنانيين واللبنانيات ويضمن حقوقا متساوية للنساء والرجال في كل ما يتعلق بالشؤون الأسرية  وفقا لشرعة حقوق الإنسان التي التزمت بها الدولة اللبنانية، وذلك على طريق إرساء الدولة المدنية التي تتعاطى مع اللبنانيات واللبنانيين كمواطنات ومواطنين وليس كرعايا للطوائف والمذاهب المختلفة.  

 

 

* لا يمكن للزوجة أن تحصل على الطلاق ولأي سبب كان دون موافقة الزوج.

تحرم الأم من حضانة ابنها في عمر السنتين وابنتها في عمر السابعة.