النسوية على بيت جوزها

النسوية على بيت جوزها

أحضر عرساً لإحدى الصديقات في موسم الأعراس الصيفيّة الكثيرة، وأسمع أحدهم يقول وهي تدخل بفستانها الأبيض الجميل ممسكة بيد زوجها، عبارة ”نسويّة بس نهايتها لبيت جوزها“، مازحاً بشيء من الشماتة، مفترضاً أنّ النسويّة هي شكل آخر من الرهبنة وفقط؛ أن تكون نسويّة معناه أن تندر حياتها للقضيّة.

وكأنّ خلق علاقة حميميّة مع أيّ رجل يشترط إسقاط هذه القضيّة بكلّ ما تحمله من تفاصيل يوميّة. أو كأنّ الزواج هو أنّها سقطت، أنها تخلّت عن نسويتها، أو أنّها عرفت انّ لا سبيل بالنسويّة فسلّمت. 

أفكّر بهذه العبارة، ”نسويّة بس نهايتها لبيت جوزها“، وكأنّه يقول أنّها مهما آمنت بمبادئ ستبقى هذه المبادئ على ورق وستنتهي في بيت الوصيّ. أنّها ستغسل وتطبخ وتنشر الغسيل وسيدخل ضمن قائمة اهتماماتها رجل ما وستناقض ما آمنت به. بهذه السطحيّة يتمّ تداول موضوع زواج النسويات وغير النسويات من النساء  ذوات الصوت العالي واللواتي يطالبنَ بحقوقٍ ما ويدفعن باتجاه تغيير إجتماعيّ ما.

أفكّر أيضاً بالثقل الذي يقع بشكلٍ تلقائيّ على عاتق هذا الزوج الذي يقوم بالإرتباط بنسويّة!(نسويّاً بتعريفه لنفسه كان أم لم يكن). 

المجتمع البطريركيّ  مبنيّ بحيث لا يسمح للفرد التخلّي بسهولة عن الوظيفة المرسومة له ضمنه، فواحدة من أهمّ دعائم إستمراريته هي الضغط الإجتماعيّ. وهو مبنيّ أيضاً بشكل لا يسمح للأفراد ذكوراً كانوا أم إناثاً بأن يخرجوا عن أدوارهم\ـنّ المعلّبة لتشكيل هويّات خاصة غير معلّبة.  لذا فعلى المرتبط بنسويّة أن يكون جاهزاً إنّ مازحه أحدهم: ”شو، عم تمسحك البيت؟“ أو ”ما بتسترجي ما تساعدها“ أو ”شو المدام اليوم كانت بالمظاهرة … “ وما الى ذلك من عبارات تقال بصيغة تتراوح بينَ المزح والشماتة. 

يتعامل معظم الأصدقاء الذكور (النسويين بتعريفهم لأنفسهم وغير النسويين) المرتبطين بنسويات بتسليم ومسايرة مع الأمر،  فيجيب على عبارة مثل ”شو عم تمسحك البيت؟“ بـ ”أي والله كل يوم، ضهري صاير شقفتين! هاهاها“ أو ”كل يوم الصبح بتخليني اعمل دورتين للبيت، عم تعذبني اهئ اهئ اهئ“، أو ”أي بتمسحني البيت وأنا قبلان“ أو يلجأ إلى العبارات الجاهزة  ”عايشين سوا وبنوسخ سوا فأكيد دوري وأخلاقي بتفرض عليّ …“ وإلخ من أجوبة تحمل في طياتها شيء من التبرير وكأنّه يعيش في معسكر ويجب أن يبرر قبوله به.

مارك، طفلٌ في السادسة كنتُ أقوم بالإهتمام به ريثما يعود والداه إلى البيت، عاد مرّة من المدرسة حزيناً جدّاً، عندما سألته عن السبب قال أنّه أثناء فرصة اللعب كان يلعب على لعبة الميزان، التي تعتبر لعبة سهلة و ”بناتيّة“ بالنسبة لأصدقائه، فبدأوا بالسخرية منه بأنّه ”فتاة“  وكان يبكي لأنه لا يريد أن يكون فتاة ولكنّه يحبّ لعبة الميزان.

 منذ الصغر، يربى الذكر داخل صندوق معدّ ومحضّر لهُ أو لأيّ ذكر آخر. عليه أن يكون المعيل الأوّل لأهله بدايةً وللزوجة والأطفال لاحقاً، يجب أن لا يحلم بالمستقبل أيّاً كان شكلهُ قبلَ أن يتمكّن من تأمين لائحة من المعطيات المفروضة اجتماعيّاً عليه للإعتراف بهِ كـ رجل  في هذا المجتمع الهرميّ الرأسماليّ. وكلّما قصّر في واحدة من هذه المعطيات، سحبت منهُ واحدة من النجوم التي تعلّق على صدره وقلّ إحترامهُ بين أقرانه من الرجال.

 يجب أن يكون القويّ دائماً، القادر على حلّ أي مشكلة، مجرّد من المشاعر الإنسانيّة الصغيرة والمركبة: لا يحبّ، لا يتألّم، لا يبكي، لا يعبّر، الخ فكلّ ذلك يعتبر ضعفاً من نوع ما.

في المقابل تمنحه التركيبة البطريركية العديد من الامتيازات السلطويّة، وتتركه على حافة حرمانه منها إن خرج عن قواعد اللعبة. فتصبح هذه الإمتيازات هي خيمة الأمان شبه الوحيدة التي يملكها والتي تهددها المطالب النسويّة المحقّة بأبسط صورها وأعقدها. ويتحوّل الصراع من صراعٍ مشترك مع هذا المجتمع نساءً ورجالاً في وجه تركيبة تفرضها نظم اقتصاديّة، وسياسيّة معينة، إلى صراعٍ مع المطالب التي تنادي بها النساء. فحقّ المساواة في فرص العمل و\أو الأجور يهدد الإمتياز الإقتصاديّ، وحقّ المشاركة والانخراط في الشأن العام يهدد الإمتياز السياسي، وحقّ التعليم يهدد الإمتياز الإجتماعيّ\الاقتصادي. وهكذا تتحوّل أرض المعركة الحقيقيّة من معركة مع هذا النظام إلى معركة مع النسويّة. وتصبح عبارة مثل ”نسويّة بس نهايتها لبيت جوزها“ ضروريّة ولازمة لاستحضار أمان وهميّ بأنّ كلّ شيء مازال على ما يرام.

 

مدوّنة سورية