عقد العمل الموحّد: خطوة أولى لإنهاء نظام الكفالة والعبرة في التطبيق

عقد العمل الموحّد: خطوة أولى لإنهاء نظام الكفالة والعبرة في التطبيق

يُعدّ عقد العمل الموحّد الذي أصدرته وزارة العمل اللبنانية في 8 أيلول 2020، خطوة أولى من سلسلة خطوات باتجاه إنهاء نظام الكفالة الذي تخضع له عاملات المنازل الأجنبيات في لبنان. هذا العقد هو نتاج مسار طويل من الاقتراحات والنقاشات التي أجرتها لجنة تألّفت من "كفى" ومنظمة العمل الدولية ومنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وجمعية "كاريتاس" والمفكّرة القانونية وممثلة عن صحيفة "لوريان لوجور" مع وزارة العمل على مدى سنة ونيّف. لكننا في "كفى" نتحفّظ على صياغة نص العقد النهائية الذي  وضعته وزارة العمل وأصدرته من دون الأخذ بالاعتبار الآليات الموجبة لتنفيذ بنوده.  

في نصّ العقد الصادر بنود جديدة إيجابية تسهّل تنظيم العلاقة بين صاحب العمل والعاملة وتضمن بعض الحقوق المهنية والإنسانية للعاملة كما تشوبه بعض الثغرات التي يجب التنبّه لها. وبكلّ الأحوال، يبقى هذا العقد من دون أي قيمة فعلية في حال لم تترافق معه آليات جدّية تبدأ بضبط عملية الاستقدام مروراً بآليات فسخ واضحة وملزمة وصولاً إلى وضع آليات مراقبة تطبيق البنود المنصوص عليها. لكلّ تلك الأسباب وغيرها، ترى "كفى" أن بدء اعتماد العقد يجب أن يكون مشروطاً بآليات فسخ قابلة للتطبيق ومراقبة جدّية من قبل المعنيين.

بعد الإطلاع على عقد العمل الموحّد، فنّدت "كفى" تالياً بعض الملاحظات على بنوده في الشكل والصياغة والمضمون: 

أبرز النقاط الإيجابية

  • حدّد العقد نوع العمل ونطاق مهام العاملة من خلال المادة الأولى بعنوان "نطاق العقد" تضمّن الإشارة إلى وجوب اختيار واحد أو اثنين من الأعمال الأساسية فقط
  • اعتماد الحدّ الأدنى الرسمي للأجور كخطوة لمساواة عاملات المنازل بجميع العمّال. على أن تأخذ الوزارة بعين الاعتبار الأزمة الاقتصادية الراهنة وتداعياتها على احتساب الأجور  
  • التشديد على احترام خصوصية العاملة وتأمين حقوقها الأساسية (التنقّل، امتلاك هاتف خليوي، احترام حرياتها الشخصية…)  
  • التأكيد على حق العاملة بالاحتفاظ بأوراقها الرسمية 
  • الالتزام بحق استفادة العاملة من العطَل (24 ساعة أسبوعياً و15 يوم سنوياً بعد مرور عام على بدء العمل إضافة إلى إجازات مرضية وفي حالات وفاة أحد أقارب العاملة وغيرها) وحرية الخروج من المنزل خلال إجازتها
  • تحديد عدد ساعات العمل ب 48 ساعة أسبوعياً

لعلّ أهمّ ما أضيف في العقد والذي يمكن اعتباره مدماكاً أساسياً في مسار كسر نظام الكفالة هو البند الذي يجيز فسخ العقد بشكل أحادي (المادة  13) بالإضافة إلى بنود اخرى تحرّر العاملة من تملّك صاحب العمل وأبرزها:  

  • حق العاملة بفسخ عقد العمل في حال وفاة صاحب العمل أو إصابته بمرض خطير
  • حق تسمية العاملة طرفاً (شخصاً أو مؤسسة) للاتصال به في لبنان لحالات الطوارئ
  • حق امتلاك العاملة نسخة عن العقد محرّرة بلغة مفهومة من قبلها

أبرز الثغرات والعبارات الفضفاضة

يشوب نص العقد بعض الثغرات التي كان سببها مضمون بعض المواد بحدّ ذاته أو صياغة لغوية فضفاضة من شأنها أن تخلق بعض الإشكالات عند تنفيذ بنوده، وأبرز هذه الثغرات:

  • في المادة 1: نطاق العقد 

يذكر أحد البنود ما حرفيّته: "يلتزم الفريق الأول بعدم استخدام الفريق الثاني في أي عمل أو مكان آخر يختلف عن مكان العمل الأساسي أو الموسمي للفريق الأول". تخلط المادة "مكان عمل الفريق الأول" مع "مكان سكن الفريق الأول" حيث تعمل العاملة. بحيث قد تفسّر كما لو أن مكان عمل الفريق الأول هو مكان عمل العاملة بينما الأصحّ هو مكان سكنه.

  • في المادة 5: السكن والاحتياجات الاخرى ذات الصلة 

يذكر أحد البنود ما حرفيته: "لا يجوز للفريق الأول إلزام الفريق الثاني القيام بأعمال قد تعرّض صحته أو سلامته للخطر ويحق للفريق الثاني الابتعاد لحين تصحيح الخلل عن كل ما قد يعرضه للخطر". كان يُفضَّل أن يعطي البند أيضاً حق الامتناع عن تأدية أي عمل خطر من دون أن يُعتبر هذا الامتناع إخلالا بواجبات العمل أو بموجبات العقد. 

  • في المادة 8: إجازة العمل وجواز الإقامة

يذكر أحد البنود ما حرفيته: "يحتفظ الفريق الثاني بالوثائق بما في ذلك جواز السفر أو الهوية أو إجازة العمل وجواز الاقامة وبطاقة التأمين على أن يتحمل المسؤولية في حال فقدان هذه المستندات أو تعرضها للتلف". نرى أنه كان من الأفضل حذف هذه العبارة لأنها لزوم ما لا يلزم ولأن الأوراق الثبوتية المذكورة هي في الأصل ملك للفريق الثاني وبالتالي من الطبيعي أن يكون مسؤولاً عنها تماماً مثل مسؤولية أي شخص أو عامل آخر تجاه مستنداته الخاصة، فلا يجوز التمييز هنا.

الإجراءات التطبيقية

يبقى أن عقد العمل الموحّد بكلّ إيجابياته وبنوده التنظيمية يمكن أن يبقى حبراً على ورق في حال لم يترافَق بآليات تنفيذية وبآليات مراقبة من قبل وزارة العمل لضمان تطبيقه بحذافيره. ومن بين أبرز النقاط التي يجب مراعاتها لضمان حسن تنفيذ العقد:

  • التأكيد على ترجمة العقد بلغة مفهومة من العاملة 
  • الحرص على أن تطّلع العاملة على عقد العمل قبل وصولها إلى لبنان
  • ضرورة مراقبة آلية الدفع
  • ضرورة التأكد من تمتع العاملة بالإرادة الحرّة في الاستفادة من البنود التي توجب "موافقة الطرفين"
  • ضرورة مراقبة ظروف العمل كاملة (مثل الالتزام بساعات العمل المحددة، والعطل، ومكان العمل…)
  • ضرورة إصدار وزارة العمل تعاميم تحدد نسبة قيمة التقديمات العينية التي تُخصم من أجور العاملات 
  • تأمين مرجع رقابي من قبل الوزارة تلجأ العاملات له في حال تمّ خرق أي بند من بنود العقد

في ما يتعلّق بفسخ العقد:

  • وضع آلية واضحة لكيفية تبليغ فسخ العقد تحدد على أساسه مهلة الإنذار 
  • خلق مرجع رقابي من قبل الوزارة (لجنة مختصة، هيئة رسمية) للبتّ بالفسخ ووضع الأطر العملية لمرحلة ما بعد الفسخ ومواكبة تبعاته على العاملة (مثل ظروف إقامتها الشرعية وإيواءها والمهلة المحددة لايجاد صاحب عمل جديد وغيرها)

خلاصة

بما أن عقد العمل الموحد هذا تلزمه جهود استثنائية لمواكبة تطبيقه والحرص على عدم خرقه من قبل الطرفين، لا بدّ من التذكير بأن المطلب الجوهري يبقى إدراج فئة عاملات المنازل في قانون العمل اللبناني لضمان الحقوق والواجبات ووضع العمل المنزلي في إطاره المهني البحت بعيداً عن منطق الاستعباد والممارسات غير الانسانية وغير القانونية. سؤال آخر نوجّهه إلى وزارة العمل وهو حول كيفية استفادة عشرات آلاف عاملات المنازل الموجودات أصلاً في لبنان من شروط العقد الجديد وكيفية الانتقال بهنّ من العقد القديم إلى الجديد. كما تتمنّى "كفى" على السلطات اللبنانية المعنية التريّث في استقدام عاملات أجنبيات جدد قبل إتمام وضع الآلية الكاملة التي من شأنها كسر نظام الكفالة خصوصاً في ظلّ الأزمة الاقتصادية الحالية التي تسهّل ارتكاب ممارسات لا إنسانية وغير قانونية بحق العاملات.  

 

عقد عمل العمال-العاملات في الخدمة المنزلية