الهوى ما بينشرى

الهوى ما بينشرى

من موقعها كمنظّمة نسويّة تعمل على حماية النساء من العنف والتصدّي إلى التركيبات الأبويّة، يتركّز اهتمام "كفى" في مقاربة موضوع الدعارة والاتّجار بالنساء على اعتباره جزءاً من عملها على فضح الممارسات التمييزيّة السلبيّة ضدّ المرأة ولفت النظر إلى نظام القمع والاستغلال الذي تتعرّض له النساء والفتيات في مجتمعنا. 
وبعد مناقشات طويلة وأبحاث عديدة، توصّلت "كفى" إلى تكوين موقفٍ واضح: الدعارة عنف واستغلال يجسّدان الذكوريّة ويعزّزانها، وهي شكل فاضح من العنف ضدّ المرأة وانتهاك لحقوقها الأساسيّة في الأمان الشخصي والمساواة.
من هنا، أطلقت "كفى" حملتها الأولى في هذا المضمار بعنوان "الهوى ما يبنشرى" طارحةً موقفاً واضحاً رافضاً للاستغلال الجنسي للنساء بمختلف أشكاله، أكان ذلك عبر الدعارة أو الاتّجار، علماً أنّ الظاهرتين وثيقتا الصلة الواحدة بالأخرى.

لماذا "الهوى ما بينشرى"؟ 

 غالباً ما يُشار إلى النساء في الدعارة كبائعات هوى في محاولة قديمة جديدة لتلطيف حقيقة الواقع الذي يعشنه والبعيد كلّ البعد عن "الهوى" الذي يفترض اختبارُه حريّة الخيار والمسار، وانتفاء لعلاقات القوى غير المتكافئة بين الطرفَين المعنيَّين. إلّا أنّ الحقيقة المشتركة التي توصّلت إليها دراسات عديدة في العالم، ومنها دراسات "كفى" في لبنان، هي أنّ النساء في الدعارة لم يستيقظن ذات صباح واخترن بمحض إرادتهنّ الانخراط في مجال الدعارة، إنّما تمّ استقطابهنّ أو تشجيعهنّ في معظم الحالات من قبل أفراد أو قوّادين استغلّوا هشاشة وضعهنّ، وأنّ معظم النساء والفتيات في هذا المجال دخلنه لغياب بدائل أخرى حقيقيّة، ولمعاناتهنّ من ظروف اجتماعية واقتصادية وشخصية صعبة، ينبغي ألا ننسى أنّ من أبرز مسبّباتها غياب المساواة الجندرية والاجتماعية والتمييز التاريخي ضد النساء والفتيات. 

"الهوى ما بينشرى" أطلقتها "كفى" في هذا الإطار تعبيراً عن اقتناعها بأنّ النساء في الدعارة لا يبعن الهوى، إنّما تُشترى منهنّ ممارسات جنسيّة على قياس رغبات وطلبات ذكوريّة نادراً ما يُسلَّط الضوء عليها محليّاً وعالميّاً، وهي طلبات مشتري الجنس الذين هم بغالبيتهم الساحقة ذكور من مختلف الأعمار والخلفيّات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، كما تُبيّن الدراسة التي انطلقت منها هذه الحملة، وعنوانها "إستكشاف الطلب على الدعارة؛ ما يقوله مشترو الجنس حول دوافعهم وممارساتهم وتصوّراتهم". هي دراسة تتفحّص بشكل دقيق سلوك مشتري الجنس في لبنان الذي يدلّ بوضوح على علاقة سلطة وقوى غير متكافئة بين الرجل المشتري والمرأة، أداتُها ومحرّكُها سلطةٌ متعدّدة الأوجه بيد الرجل الشاري، أحد أبرز أوجهها في هذا الحال هو المال المدفوع الذي يحدّد شروط العلاقة. 
تنطلق إذاً هذه الدراسة من زاوية كثيراً ما يُعتَّم عليها وتُغيَّب من النقاشات المتعلّقة بمسألة الدعارة، هي مسألة الطلب. 
فلو لم يكن هناك طلب من قبل الرجال على الممارسات الجنسية المدفوعة، لما وُجد كلّ من الدعارة والاتّجار بالنساء بهدف الاستغلال الجنسي، ولما استمرّا في الانتشار وتحقيق الأرباح. ببساطة، وكما هي الحال في أيّ سوق، من دون طلب لا يُوجد عرض. لو لم يكن هناك طلب من مشتري الخدمات الجنسية، لما كان هناك دعارة وسوق يؤمّن النساء والفتيات من مختلف الأعمار والجنسيات لتلبية حاجات الرجال مشتري الجنس، وأحياناً بمباركة من الدولة. 

من هنا، تدعو "الهوى ما بينشرى" إلى البدء في التفكير في مسألة الدعارة من باب الطلب عليها، والذي تفنّده وتحلّل عدداً من جوانبه الدراسة المذكورة أعلاه، مُلحَقةً بمجموعة أبحاث (بعضُها قيد النشر) تُلقي نظرةً فاحصة على صناعة الدعارة في لبنان، متناولةً، من جهة، واقع التشريعات النافذة فيه والإطار العام للسياسات المعتمدة وصلات الترابط بين صناعة الدعارة والاتّجار بالأشخاص، ومتضمّنةً، من جهة أخرى، دراسات حالات تلقي الضوء على النساء في مجال دعارة الشارع وعلى النساء الأجنبيّات المنخرطات في قطاع "السوبرنايت كلوب" في لبنان، ساعيةً في مطلق الأحوال إلى فضح العنف والاستغلال المرتبطَين بالدعارة والاتجار بهدف الاستغلال الجنسي. 


الندوة

 في مسرح مونو في الأشرفية، تمّ إطلاق حملة "الهوى ما بينشرى" بتاريخ 15 أيلول 2014 بحضور ممثّلي/ات عن عدد من الوزارات والسفارات وعناصر قوى الأمن الداخلي والأمن العام ومنظّمات محلية ودولية وعدد من المعنيّين/ات والمهتمّين/ات. 
افتتحت "كفى" الندوة بفيلم "أقدم عنف..." الذي يلقي الضوء على صناعة الجنس في لبنان، وتحديداً قطاع "السوبر نايت كلوب"، أو الملاهي الليليّة، ودعارة الشارع. ويتضمّن الفيلم شهادات لنساء تمّ استغلالهنّ في الدعارة ولرجال مشتري خدمات جنسيّة، بالإضافة إلى تعليقات من قبل عدد من المعنيّين/ات. 
بعد الفيلم، عرضت مسؤولة قسم مكافحة استغلال النساء والاتجار بهنّ في "كفى"، السيّدة غادة جبّور، لنظرة "كفى" إلى مسألتَيْ الدعارة والاتجار، مشدّدةً على أنّ الدعارة بحدّ ذاتها تعبير عن جنسانية الرجل لا المرأة، منطلقةً من أبرز النتائج التي توصّلت إليها دراسة "إستكشاف الطلب على الدعارة؛ ما يقوله مشترو الجنس الذكور حول دوافعهم وممارساتهم وتصوّراتهم".
وعرضت جبّور لبعض التوصيات المنبثقة عن الدراسة، أبرزها: عدم تجريم النساء والأشخاص المنخرطين في الدعارة؛ تجريم صناعة الدعارة عموماً، بما في ذلك تجريم الأشخاص المتورّطين فيها (المشغّلين والمسهّلين...)؛ التصدّي للمواقف التي تطبّع أفعال الدعارة من خلال تحديد الأذى الناجم عن صناعة الجنس، ومعالجة الثقافة التي تغذّي الدعارة مثل الصناعة الإباحيّة و"جَنسنة" النساء والفتيات في الإعلام والثقافة الشعبيّة؛ تحميل مُشتري الممارسات الجنسية مسؤولية تغذية الاتّجار بغرض الاستغلال الجنسي والدعارة. من ثمّ كان للمحامية السويدية-الكندية والأخصائية الاجتماعية غونيلا إكبرغ مداخلة عرضت فيها لتجربة دولة السويد التي كانت رائدة في مكافحة صناعة الدعارة والاتجار بالنساء بوصفهما عنفاً ضدّ المرأة، كما ركّزت ف كلمتها على مدى الترابط بين ظاهرتَيْ الاتجار بالبشر والدعارة. 
أمّا المحقّق في قسم التحقيق في الجريمة المنظّمة في شرطة أوسلو في النرويج، روني سيفرتسن، فعرض للتجربة النرويجية في مقاربة مسألة الدعارة ودور الشرطة في تقديم الدعم للضحايا وردع المستغِلّين.
في الختام، تمّ عرض لمختلف موادّ الحملة الإعلانية وجرى نقاش حول الموضوع بين الحضور والمتكلّمين/ات.

للاطّلاع على مواد الحملة: 
أفكار مغلوطة حول الدعارة  
الإعلان التلفزيوني 

MYTHS ABOUT PROSTITUTION
أفكار مغلوطة حول الدعارة