ضحايا لا مجرمات

ضحايا لا مجرمات

يصادف الثلاثون من شهر تموز اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص. قبل هذا اليوم بحوالي الأربعة أشهر، بتاريخ 23-3-2023 تحديدًا، تم توقيف أربع نساء بجرم ممارسة الدعارة وقوّادهن بجرم تسهيلها، وفقًا للمادة 523 من قانون العقوبات اللبناني التي تساوي في تجريمها بين النساء المستغلات بالدعارة ومستغليهن.

بقيت هؤلاء النساء موقوفات لحوالي الأربعة أشهر في ظل ظروف مأساوية في نظارة ضيقة تضطر النساء فيها لأخذ الدور في النوم والاستلقاء، كون المساحة لا تتسع لهن جميعًا. وتعذّر خلال هذه الفترة نقل الموقوفات إلى قصر العدل لحضور الجلسة المعيّنة لهن نظرًا إلى أن مركز التوقيف يفتقر إلى الآليات العسكرية وعدد عناصر الشرطة اللازم لمرافقة الموقوفات. رغم هذه الظروف، رفض القاضي الناظر بالقضية طلب إخلاء سبيلهن أول مرة، في حين وافق على إخلاء سبيل قوّادهن بعد الشهر الأول من التوقيف.

 

لا بد لنا أن نسأل كيف تتم مكافحة الاستغلال الجنسي والاتجار بالنساء عندما لا تزال الدولة اللبنانية تعاقب ضحايا هذه الجرائم وتتساهل مع مرتكبيها؟ لا بل، تكيل العقاب لهن بمكيالين فتطلق سراح المستغل وتبقي على أسرهن.

أقر لبنان عام 2011 القانون رقم 164 لمعاقبة الإتجار بالأشخاص الذي ورد في مادته الأولى أن الإتجار هو اجتذاب شخص بواسطة استغلال السلطة أو حالة الضعف أو الخداع أو التهديد... بهدف استغلاله. ومن أبرز اشكال استغلال النساء، الاستغلال بالدعارة.

بالنظر إلى هذا التعريف يمكن القول عمليًا أن غالبية النساء في الدعارة هن ضحايا اتجار وإن لم تتم محاكمتهن وفقًا لهذا النص. إن واقع النساء المعدمات يشكل حالة ضعف يَسهل استغلالها من قبل المستغلّين والمتاجرين لاجتذاب النساء إلى الدعارة. فالغالبية الساحقة منهن يأتين من خلفيات هشة مثل الفقر والتشرد واللجوء والعنف السابق، وهن غالبًا ما يخضعن لسلطة المتاجرين المادية أو المعنوية.

وفقًا لهذا القانون نفسه "لا تأخذ بالاعتبار موافقة المجني عليه" على المشاركة بأفعال يعاقب عليها القانون، مثل الدعارة. لكن الواقع أن هذه الموافقة، وهي موافقة معيوبة كونها كما ذُكر سابقًا ناتجة عن استغلال حالة ضعف أو سلطة، هي ما يُستخدم كقرينة ضد هؤلاء النساء لتوقيفهن ومحاكماتهن وإدانتهن.

إذًا، لماذا لا تزال النساء تُعاقب على جرائم هن ضحاياها في الأساس؟

ربما يمكن الجواب على هذا السؤال في المعتاد، أي سهولة إلقاء اللوم على النساء. قد يكون من الأسهل على الأجهزة الأمنية والقضاء الظهور بصورة الحزم الأمني وإلقاء القبض على النساء "المجرمات" عوضًا عن الاعتراف بأن هذا البلد يعج بشبكات الإتجار المفلتة من الحساب وبالقوادين الذين يجنون أرباحًا من استغلال النساء.

 

استغلال النساء جنسيا والاتجار بهن ليسا بجريمة نادرة الحدوث، ولا تتطلب مكافحتهما قدرات خارقة، فالمتاجرون والقوّادون معروفون لتكرار توقيفهم في نفس الجرم. مكافحة هذه الجرائم تطلب بشكل أساسي التوقف عن لوم وتجريم النساء وإطلاق الأحكام الأخلاقية عليهن، والاعتراف بأن عجلة الاستغلال الجنسي يحركها ويغذّيها الرجال مشترو الجنس.

والمسؤولية تقع علينا كمجتمع بأن أن نتساءل جديًّا عن دور الرجال، ممن يسمحون لأنفسهم شراء النساء بسلطة المال، في استمرار هذه الجريمة ضد النساء.

 

 

#كافح_الدعارة #كافح_الاتجار #اليوم_العالمي_لمناهضة_الاتجار_بالأشخاص

#Neither_sex_nor_work

#WDAT